منوعات دوت كومmnwaat.com
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منوعات دوت كومmnwaat.com

لا اله الا الله محمد رسول الله
 
الرئيسية تفسير سورة يوسف ( آية 80-111 ) I_icon_mini_portalأحدث الصورالتسجيلدخول
المواضيع الأكثر شعبية
تحميل ياهو 2011
تحميل احدث3 انتى فيرس كاسبر اسكاى 2011.افيرا2011.افاست 2011
نتيجة امتحانات ابناؤنا فى الخارج 2011
تحميل برنامج جوجل شوروم google chrome
حمل برنامج ويندز لايف ماسنجر 2012
تحمل برنامج جوجل كروم (جوجل شورم)2012
تحميل برنامج مكافح الفيروسات افاست 2012 النسخه الاخيره ادخل وحمل بسرعه
تحميل تنزيل سكاي بى 2011 الجديد dowenlod sky pe 2011 new
حمل القران كامل بصوت الشيخ فارس عباد
الرد على من سب السيده عائشه
تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية
تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية reddit      

قم بحفض و مشاطرة الرابط www.mnwaat.com على موقع حفض الصفحات

قم بحفض و مشاطرة الرابط منوعات دوت كومmnwaat.com على موقع حفض الصفحات
دخول
اسم العضو:
كلمة السر:
ادخلني بشكل آلي عند زيارتي مرة اخرى: 
:: لقد نسيت كلمة السر

 

  تفسير سورة يوسف ( آية 80-111 )

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
المدير
Admin
Admin
المدير


عدد المساهمات : 1005
نقاط : -2047470915
السٌّمعَة : 9
تاريخ التسجيل : 25/02/2010
العمر : 28
البلد : مصر

 تفسير سورة يوسف ( آية 80-111 ) Empty
مُساهمةموضوع: تفسير سورة يوسف ( آية 80-111 )    تفسير سورة يوسف ( آية 80-111 ) Emptyالثلاثاء أبريل 26, 2011 4:38 pm

تفسير سورة يوسف بن يعقوب عليهما الصلاة والسلام
عدد آياتها 111


(


آية


80-111

)


وهي مكية






{ 80 - 83 } {
فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا قَالَ كَبِيرُهُمْ
أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقًا
مِنَ اللَّهِ وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ
الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ
خَيْرُ الْحَاكِمِينَ * ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا
أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا
وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ * وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي
كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا
لَصَادِقُونَ * قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا
فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا
إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ
}




أي: فلما استيأس إخوة يوسف من يوسف أن يسمح لهم بأخيهم {
خَلَصُوا نَجِيًّا
} أي: اجتمعوا وحدهم، ليس معهم غيرهم، وجعلوا
يتناجون فيما بينهم، فـ { قَالَ كَبِيرُهُمْ
أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقًا
مِنَ اللَّهِ
} في حفظه، وأنكم تأتون به إلا أن يحاط بكم {
وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ
} ، فاجتمع عليكم
الأمران، تفريطكم في يوسف السابق، وعدم إتيانكم بأخيه باللاحق، فليس لي
وجه أواجه به أبي.




{ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ } أي:
سأقيم في هذه الأرض ولا أزال بها { حَتَّى
يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي
} أي: يقدر لي
المجيء وحدي، أو مع أخي { وَهُوَ خَيْرُ
الْحَاكِمِينَ
}




ثم وصَّاهم بما يقولون لأبيهم، فقال: {
ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ
} أي: وأخذ بسرقته، ولم يحصل لنا أن نأتيك به، مع ما بذلنا من
الجهد في ذلك. والحال أنا ما شهدنا بشيء لم نعلمه، وإنما شهدنا بما
علمنا، لأننا رأينا الصواع استخرج من رحله، {
وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ
} أي: لو كنا نعلم الغيب لما
حرصنا وبذلنا المجهود في ذهابه معنا، ولما أعطيناك عهودنا ومواثيقنا، فلم
نظن أن الأمر سيبلغ ما بلغ.




{ وَاسْأَلِ } إن شككت في قولنا {
الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا
فِيهَا
} فقد اطلعوا على ما أخبرناك به {
وَإِنَّا لَصَادِقُونَ
} لم نكذب ولم نغير ولم نبدل، بل هذا
الواقع.




فلما رجعوا إلى أبيهم وأخبروه بهذا الخبر، اشتد حزنه وتضاعف كمده،
واتهمهم أيضا في هذه القضية، كما اتهمهم في الأولى، و {
قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ
} أي: ألجأ في ذلك إلى الصبر الجميل، الذي لا يصحبه تسخط ولا جزع،
ولا شكوى للخلق، ثم لجأ إلى حصول الفرج لما رأى أن الأمر اشتد، والكربة
انتهت فقال: { عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي
بِهِمْ جَمِيعًا
} أي: يوسف و "بنيامين" وأخوهم الكبير الذي أقام
في مصر.




{ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ } الذي يعلم
حالي، واحتياجي إلى تفريجه ومنَّته، واضطراري إلى إحسانه، {
الْحَكِيمُ
} الذي جعل لكل شيء قدرا، ولكل أمر منتهى، بحسب ما
اقتضته حكمته الربانية.




{ 84 - 86 } {
وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ
عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ * قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ
تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ
الْهَالِكِينَ * قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ
وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ
}




أي: وتولى يعقوب عليه الصلاة والسلام عن أولاده بعد ما أخبروه هذا الخبر،
واشتد به الأسف والأسى، وابيضت عيناه من الحزن الذي في قلبه، والكمد الذي
أوجب له كثرة البكاء، حيث ابيضت عيناه من ذلك.




{ فَهُوَ كَظِيمٌ } أي: ممتلئ القلب من
الحزن الشديد، { وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى
يُوسُفَ
} أي: ظهر منه ما كمن من الهم القديم والشوق المقيم،
وذكرته هذه المصيبة الخفيفة بالنسبة للأولى، المصيبة الأولى.




فقال له أولاده متعجبين من حاله: { تَاللَّهِ
تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ
} أي: لا تزال تذكر يوسف في جميع
أحوالك. { حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا } أي:
فانيا لا حراك فيك ولا قدرة على الكلام.




{ أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ }
أي: لا تترك ذكره مع قدرتك على ذكره أبدا.




{ قَالَ } يعقوب {
إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي
} أي: ما أبث من الكلام {
وَحُزْنِي
} الذي في قلبي { إِلَى
اللَّهِ
} وحده، لا إليكم ولا إلى غيركم من الخلق، فقولوا ما شئتم
{ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ
} من أنه سيردهم علي ويقر عيني بالاجتماع بهم.




{ 87 - 88 } {
يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا
تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ
اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ * فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ
قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ
وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ
عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ
}




أي: قال يعقوب عليه السلام لبنيه: { يَا
بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ
} أي:
احرصوا واجتهدوا على التفتيش عنهما { وَلَا
تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ
} فإن الرجاء يوجب للعبد السعي
والاجتهاد فيما رجاه، والإياس: يوجب له التثاقل والتباطؤ، وأولى ما رجا
العباد، فضل الله وإحسانه ورحمته وروحه، {
إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ
الْكَافِرُونَ
} فإنهم لكفرهم يستبعدون رحمته، ورحمته بعيدة منهم،
فلا تتشبهوا بالكافرين.




ودل هذا على أنه بحسب إيمان العبد يكون رجاؤه لرحمة الله وروحه، فذهبوا {
فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ
} أي: على يوسف {
قَالُوا
} متضرعين إليه: { يَا أَيُّهَا
الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ
مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا
} أي:
قد اضطررنا نحن وأهلنا { وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ
مُزْجَاةٍ
} أي: مدفوعة مرغوب عنها لقلتها، وعدم وقوعها الموقع، {
فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ
} أي: مع عدم وفاء العرض، وتصدق علينا
بالزيادة عن الواجب. { إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي
الْمُتَصَدِّقِينَ
} بثواب الدنيا والآخرة.




فلما انتهى الأمر، وبلغ أشده، رقَّ لهم يوسف رقَّة شديدة، وعرَّفهم
بنفسه، وعاتبهم.




{ 89 - 92 } {
قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ
جَاهِلُونَ * قَالُوا أَئِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ
وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ
وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ * قَالُوا
تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ
* قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ
وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ
}

{ قال هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ
بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ
} أما يوسف فظاهر فعلهم فيه، وأما أخوه،
فلعله والله أعلم قولهم: { إِنْ يَسْرِقْ
فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ
} أو أن الحادث الذي فرَّق
بينه وبين أبيه، هم السبب فيه، والأصل الموجب له. {
إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ
} وهذا نوع اعتذار لهم بجهلهم، أو توبيخ
لهم إذ فعلوا فعل الجاهلين، مع أنه لا ينبغي ولا يليق منهم.




فعرفوا أن الذي خاطبهم هو يوسف، فقالوا: {
أَئِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ
مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا
} بالإيمان والتقوى والتمكين في الدنيا،
وذلك بسبب الصبر والتقوى، { إِنَّهُ مَنْ
يَتَّقِ وَيَصْبِرْ
} أي: يتقي فعل ما حرم الله، ويصبر على الآلام
والمصائب، وعلى الأوامر بامتثالها { فَإِنَّ
اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ
} فإن هذا من الإحسان،
والله لا يضيع أجر من أحسن عملا.




{ قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ
عَلَيْنَا
} أي: فضلك علينا بمكارم الأخلاق ومحاسن الشيم، وأسأنا
إليك غاية الإساءة، وحرصنا على إيصال الأذى إليك، والتبعيد لك عن أبيك،
فآثرك الله تعالى ومكنك مما تريد { وَإِنْ
كُنَّا لَخَاطِئِينَ
} وهذا غاية الاعتراف منهم بالجرم الحاصل
منهم على يوسف.




فـ { قَالَ } لهم يوسف عليه السلام،
كرما وجودا: { لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ
الْيَوْمَ
} أي: لا أثرب عليكم ولا ألومكم {
يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ
} فسمح
لهم سماحا تاما، من غير تعيير لهم على ذكر الذنب السابق، ودعا لهم
بالمغفرة والرحمة، وهذا نهاية الإحسان، الذي لا يتأتى إلا من خواص الخلق
وخيار المصطفين.




{ 93 - 98 } {
اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ
بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ * وَلَمَّا فَصَلَتِ
الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ
تُفَنِّدُونِ * قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ
*فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ
بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا
لَا تَعْلَمُونَ * قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا
إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ * قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي
إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ
}




أي: قال يوسف عليه السلام لإخوته: { اذْهَبُوا
بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا

} لأن كل داء يداوى بضده، فهذا القميص - لما كان فيه أثر ريح يوسف، الذي
أودع قلب أبيه من الحزن والشوق ما الله به عليم - أراد أن يشمه، فترجع
إليه روحه، وتتراجع إليه نفسه، ويرجع إليه بصره، ولله في ذلك حكم وأسرار،
لا يطلع عليها العباد، وقد اطلع يوسف من ذلك على هذا الأمر.




{ وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ
} أي: أولادكم وعشيرتكم وتوابعكم كلهم، ليحصل تمام اللقاء، ويزول عنكم
نكد المعيشة، وضنك الرزق.




{ وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ } عن أرض
مصر مقبلة إلى أرض فلسطين، شمَّ يعقوب ريح القميص، فقال: {
إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ
} أي:
تسخرون مني، وتزعمون أن هذا الكلام، صدر مني من غير شعور، لأنه رأى منهم
من التعجب من حاله ما أوجب له هذا القول.




فوقع ما ظنه بهم فقالوا: { تَاللَّهِ إِنَّكَ
لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ
} أي: لا تزال تائها في بحر الحبّ لا
تدري ما تقول.




{ فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ }
بقرب الاجتماع بيوسف وإخوته وأبيهم، {
أَلْقَاهُ
} أي: القميص { عَلَى
وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا
} أي: رجع على حاله الأولى بصيرا،
بعد أن ابيضت عيناه من الحزن، فقال لمن حضره من أولاده وأهله الذين كانوا
يفندون رأيه، ويتعجبون منه منتصرا عليهم، متبجحا بنعمة الله عليه: {
أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ
} حيث كنت مترجيا للقاء يوسف، مترقبا لزوال الهم والغم والحزن.




فأقروا بذنبهم ونجعوا بذلك و { قَالُوا يَا
أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ

} حيث فعلنا معك ما فعلنا.




فـ { قَالَ } مجيبا لطلبتهم، ومسرعا
لإجابتهم: { سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي
إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ
} أي: ورجائي به أن يغفر لكم
ويرحمكم، ويتغمدكم برحمته، وقد قيل: إنه أخر الاستغفار لهم إلى وقت السحر
الفاضل، ليكون أتمَّ للاستغفار، وأقرب للإجابة.




{ 99 - 100 } {
فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ
ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ * وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ
عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا
تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ
أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ
الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ
إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ
الْحَكِيمُ
}




أي: { فَلَمَّا } تجهز يعقوب وأولاده
وأهلهم أجمعون، وارتحلوا من بلادهم قاصدين الوصول إلى يوسف في مصر
وسكناها، فلما وصلوا إليه، و { دَخَلُوا عَلَى
يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ
} أي: ضمهما إليه، واختصهما
بقربه، وأبدى لهما من البر والإكرام والتبجيل والإعظام شيئا عظيما، {
وَقَالَ
} لجميع أهله: { ادْخُلُوا
مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ
} من جميع المكاره والمخاوف،
فدخلوا في هذه الحال السارة، وزال عنهم النصب ونكد المعيشة، وحصل السرور
والبهجة.




{ وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ
} أي: على سرير الملك، ومجلس العزيز، {
وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا
} أي: أبوه، وأمه وإخوته، سجودا على وجه
التعظيم والتبجيل والإكرام، { وَقَالَ }
لما رأى هذه الحال، ورأى سجودهم له: { يَا
أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ
} حين رأي أحد عشر
كوكبا والشمس والقمر له ساجدين، فهذا وقوعها الذي آلت إليه ووصلت {
قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا
} فلم يجعلها أضغاث أحلام.




{ وَقَدْ أَحْسَنَ بِي } إحسانا جسيما {
إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ
}
وهذا من لطفه وحسن خطابه عليه السلام، حيث ذكر حاله في السجن، ولم يذكر
حاله في الجب، لتمام عفوه عن إخوته، وأنه لا يذكر ذلك الذنب، وأن إتيانكم
من البادية من إحسان الله إلي.




فلم يقل: جاء بكم من الجوع والنصب، ولا قال: "أحسن بكم" بل قال {
أَحْسَنَ بِي
} جعل الإحسان عائدا إليه، فتبارك من يختص برحمته من
يشاء من عباده، ويهب لهم من لدنه رحمة إنه هو الوهاب. {
مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي

} فلم يقل "نزغ الشيطان إخوتي" بل كأن الذنب والجهل، صدر من الطرفين،
فالحمد لله الذي أخزى الشيطان ودحره، وجمعنا بعد تلك الفرقة الشاقة.




{ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ }
يوصل بره وإحسانه إلى العبد من حيث لا يشعر، ويوصله إلى المنازل الرفيعة
من أمور يكرهها، { إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ
} الذي يعلم ظواهر الأمور وبواطنها، وسرائر العباد وضمائرهم، {
الْحَكِيمُ
} في وضعه الأشياء مواضعها، وسوقه الأمور إلى أوقاتها
المقدرة لها.




{ 101 } {
رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ
الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي
الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي
بِالصَّالِحِينَ
}




لما أتم الله ليوسف ما أتم من التمكين في الأرض والملك، وأقر عينه بأبويه
وإخوته، وبعد العلم العظيم الذي أعطاه الله إياه، قال مقرا بنعمة الله
شاكرا لها داعيا بالثبات على الإسلام:




{ رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ
} وذلك أنه كان على خزائن الأرض وتدبيرها ووزيرا كبيرا للملك {
وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ
} أي: من تأويل
أحاديث الكتب المنزلة وتأويل الرؤيا وغير ذلك من العلم {
فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّ فِي الدُّنْيَا
وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا
} أي: أدم عليّ الإسلام وثبتني
عليه حتى توفاني عليه، ولم يكن هذا دعاء باستعجال الموت، {
وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ
} من الأنبياء الأبرار والأصفياء
الأخيار.




{ 102 } {
ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ
لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ
}




لما قص الله هذه القصة على محمد صلى الله عليه وسلم قال الله له: {
ذَلِكَ
} الإنباء الذي أخبرناك به {
مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ
} الذي لولا إيحاؤنا إليك لما وصل إليك
هذا الخبر الجليل، فإنك لم تكن حاضرا لديهم {
إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ
} أي: إخوة يوسف {
وَهُمْ يَمْكُرُونَ
} به حين تعاقدوا على التفريق بينه وبين أبيه،
في حالة لا يطلع عليها إلا الله تعالى، ولا يمكن أحدا أن يصل إلى علمها،
إلا بتعليم الله له إياها.




كما قال تعالى لما قص قصة موسى وما جرى له، ذكر الحال التي لا سبيل للخلق
إلى علمها إلا بوحيه { وما كنت بجانب الغربي إذ
قضينا إلى موسى الأمر وما كنت من الشاهدين
} الآيات، فهذا أدل
دليل على أن ما جاء به رسول الله حقا.




{ 103 - 107 } {
وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ *وَمَا
تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ
لِلْعَالَمِينَ * وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ * وَمَا يُؤْمِنُ
أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ * أَفَأَمِنُوا أَنْ
تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ
السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ
}




يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: {
وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ
} على إيمانهم {
بِمُؤْمِنِينَ
} فإن مداركهم ومقاصدهم قد أصبحت فاسدة، فلا ينفعهم
حرص الناصحين عليهم ولو عدمت الموانع، بأن كانوا يعلمونهم ويدعونهم إلى
ما فيه الخير لهم، ودفع الشر عنهم، من غير أجر ولا عوض، ولو أقاموا لهم
من الشواهد والآيات الدالات على صدقهم ما أقاموا. ولهذا قال:




{ وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ
إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ
} يتذكرون به ما ينفعهم
ليفعلوه، وما يضرهم ليتركوه.




{ وَكَأَيِّنْ } أي: وكم {
مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا
}
دالة لهم على توحيد الله { وَهُمْ عَنْهَا
مُعْرِضُونَ
}




ومع هذا إن وجد منهم بعض الإيمان فلا {
يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ
} فهم
وإن أقروا بربوبية الله تعالى، وأنه الخالق الرازق المدبر لجميع الأمور،
فإنهم يشركون في ألوهية الله وتوحيده، فهؤلاء الذين وصلوا إلى هذه الحال
لم يبق عليهم إلا أن يحل بهم العذاب، ويفجأهم العقاب وهم آمنون، ولهذا
قال:




{ أَفَأَمِنُوا } أي: الفاعلون لتلك
الأفعال، المعرضون عن آيات الله { أَنْ
تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ
} أي: عذاب يغشاهم
ويعمهم ويستأصلهم، { أَوْ تَأْتِيَهُمُ
السَّاعَةُ بَغْتَةً
} أي: فجأة {
وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ
} أي: فإنهم قد استوجبوا لذلك، فليتوبوا
إلى الله، ويتركوا ما يكون سببا في عقابهم.





{ 108 - 109 } { قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو
إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ
اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ
قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى
أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ
الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ
اتَّقَوْا أَفَلَا تَعْقِلُونَ }








يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: {
قُلْ
} للناس { هَذِهِ سَبِيلِي
} أي: طريقي التي أدعو إليها، وهي السبيل الموصلة إلى الله وإلى دار
كرامته، المتضمنة للعلم بالحق والعمل به وإيثاره، وإخلاص الدين لله وحده
لا شريك له، { أَدْعُو إِلَى اللَّهِ }
أي: أحثُّ الخلق والعباد إلى الوصول إلى ربهم، وأرغِّبهم في ذلك
وأرهِّبهم مما يبعدهم عنه.




ومع هذا فأنا { عَلَى بَصِيرَةٍ } من
ديني، أي: على علم ويقين من غير شك ولا امتراء ولا مرية. {
وَ
} كذلك { مَنِ اتَّبَعَنِي }
يدعو إلى الله كما أدعو على بصيرة من أمره. {
وَسُبْحَانَ اللَّهِ
} عما نسب إليه مما لا يليق بجلاله، أو ينافي
كماله.




{ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ } في
جميع أموري، بل أعبد الله مخلصا له الدين.




ثم قال تعالى { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ
قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا
} أي: لم نرسل ملائكة ولا غيرهم من
أصناف الخلق، فلأي شيء يستغرب قومك رسالتك، ويزعمون أنه ليس لك عليهم
فضل، فلك فيمن قبلك من المرسلين أسوة حسنة {
نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى
} أي: لا من البادية، بل
من أهل القرى الذين هم أكمل عقولا، وأصح آراء، وليتبين أمرهم ويتضح
شأنهم.




{ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ }
إذا لم يصدقوا لقولك، { فَيَنْظُرُوا كَيْفَ
كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ
} كيف أهلكهم الله
بتكذيبهم، فاحذروا أن تقيموا على ما أقاموا عليه، فيصيبكم ما أصابهم، {
وَلَدَارُ الْآخِرَةِ
} أي: الجنة وما فيها من النعيم المقيم، {
خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا
} الله في امتثال أوامره، واجتناب
نواهيه، فإن نعيم الدنيا منغص منكد، منقطع، ونعيم الآخرة تام كامل، لا
يفنى أبدا، بل هو على الدوام في تزايد وتواصل، {
عطاء غير مجذوذ
} { أَفَلَا تَعْقِلُونَ
} أي: أفلا تكون لكم عقول تؤثر الذي هو خير على الأدنى.




{ 110 - 111 } {
حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا
جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا
عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ * لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ
لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ
الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً
لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ
}




يخبر تعالى: أنه يرسل الرسل الكرام، فيكذبهم القوم المجرمون اللئام، وأن
الله تعالى يمهلهم ليرجعوا إلى الحق، ولا يزال الله يمهلهم حتى إنه تصل
الحال إلى غاية الشدة منهم على الرسل.




حتى إن الرسل - على كمال يقينهم، وشدة تصديقهم بوعد الله ووعيده - ربما
أنه يخطر بقلوبهم نوع من الإياس، ونوع من ضعف العلم والتصديق، فإذا بلغ
الأمر هذه الحال { جَاءَهُمْ نَصْرُنَا
فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ
} وهم الرسل وأتباعهم، {
وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ
} أي: ولا
يرد عذابنا، عمن اجترم، وتجرأ على الله { فما
لهم من قوة ولا ناصر
}




{ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ } أي:
قصص الأنبياء والرسل مع قومهم، { عِبْرَةٌ
لِأُولِي الْأَلْبَابِ
} أي: يعتبرون بها، أهل الخير وأهل الشر،
وأن من فعل مثل فعلهم ناله ما نالهم من كرامة أو إهانة، ويعتبرون بها
أيضا، ما لله من صفات الكمال والحكمة العظيمة، وأنه الله الذي لا تنبغي
العبادة إلا له وحده لا شريك له.




وقوله: { مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى
} أي: ما كان هذا القرآن الذي قص الله به عليكم من أنباء الغيب ما قص من
الأحاديث المفتراة المختلقة، { وَلَكِنْ
} كان { تصديق الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ
} من الكتب السابقة، يوافقها ويشهد لها بالصحة، {
وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ
} يحتاج إليه العباد من أصول الدين
وفروعه، ومن الأدلة والبراهين.




{ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ
} فإنهم - بسبب ما يحصل لهم به من العلم بالحق وإيثاره - يحصل لهم
الهدى، وبما يحصل لهم من الثواب العاجل والآجل تحصل لهم الرحمة.




فصل




في ذكر شيء من العبر والفوائد التي اشتملت عليها هذه القصة العظيمة التي
قال الله في أولها { نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ
أَحْسَنَ الْقَصَصِ
} وقال { لَقَدْ
كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ
} وقال في
آخرها { لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ
لِأُولِي الْأَلْبَابِ
} غير ما تقدم في مطاويها من الفوائد.




فمن ذلك، أن هذه القصة من أحسن القصص وأوضحها وأبينها، لما فيها من أنواع
التنقلات، من حال إلى حال، ومن محنة إلى محنة، ومن محنة إلى منحة ومنَّة،
ومن ذل إلى عز، ومن رقٍّ إلى ملك، ومن فرقة وشتات إلى اجتماع وائتلاف،
ومن حزن إلى سرور، ومن رخاء إلى جدب، ومن جدب إلى رخاء، ومن ضيق إلى سعة،
ومن إنكار إلى إقرار، فتبارك من قصها فأحسنها، ووضحها وبيَّنها.




ومنها: أن فيها أصلا لتعبير الرؤيا، وأن علم التعبير من العلوم المهمة
التي يعطيها الله من يشاء من عباده، وإن أغلب ما تبنى عليه المناسبة
والمشابهة في الاسم والصفة، فإن رؤيا يوسف التي رأى أن الشمس والقمر،
وأحد عشر كوكبا له ساجدين، وجه المناسبة فيها: أن هذه الأنوار هي زينة
السماء وجمالها، وبها منافعها، فكذلك الأنبياء والعلماء، زينة للأرض
وجمال، وبهم يهتدى في الظلمات كما يهتدى بهذه الأنوار، ولأن الأصل أبوه
وأمه، وإخوته هم الفرع، فمن المناسب أن يكون الأصل أعظم نورا وجرما، لما
هو فرع عنه. فلذلك كانت الشمس أمه، والقمر أباه، والكواكب إخوته.




ومن المناسبة أن الشمس لفظ مؤنث، فلذلك كانت أمه، والقمر والكوا كب
مذكرات، فكانت لأبيه وإخوته،.ومن المناسبة أن الساجد معظم محترم للمسجود
له، والمسجود [له] معظم محترم، فلذلك دل ذلك على أن يوسف يكون معظما
محترما عند أبويه وإخوته.




ومن لازم ذلك أن يكون مجتبى مفضلا في العلم والفضائل الموجبة لذلك، ولذلك
قال له أبوه: { وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من
تأويل الأحاديث
} ومن المناسبة في رؤيا الفتيين، أنه أول رؤيا،
الذي رأى أنه يعصر خمرا، أن الذي يعصر في العادة، يكون خادما لغيره،
والعصر يقصد لغيره، فلذلك أوَّله بما يؤول إليه، أنه يسقي ربه، وذلك
متضمن لخروجه من السجن.




وأوَّل الذي رأى أنه يحمل فوق رأسه خبزا تأكل الطير منه، بأن جلدة رأسه
ولحمه، وما في ذلك من المخ، أنه هو الذي يحمله، وأنه سيبرز للطيور، بمحل
تتمكن من الأكل من رأسه، فرأى من حاله أنه سيقتل ويصلب بعد موته فيبرز
للطيور فتأكل من رأسه، وذلك لا يكون إلا بالصلب بعد القتل.




وأوَّل رؤيا الملك للبقرات والسنبلات، بالسنين المخصبة، والسنين المجدبة،
ووجه المناسبة أن الملك، به ترتبط أحوال الرعية ومصالحها، وبصلاحه تصلح،
وبفساده تفسد، وكذلك السنون بها صلاح أحوال الرعية، واستقامة أمر المعاش
أو عدمه.




وأما البقر فإنها تحرث الأرض عليها، ويستقى عليها الماء، وإذا أخصبت
السنة سمنت، وإذا أجدبت صارت عجافا، وكذلك السنابل في الخصب، تكثر وتخضر،
وفي الجدب تقل وتيبس وهي أفضل غلال الأرض.




ومنها: ما فيها من الأدلة على صحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، حيث
قصَّ على قومه هذه القصة الطويلة، وهو لم يقرأ كتب الأولين ولا دارس
أحدا.




يراه قومه بين أظهرهم صباحا ومساء، وهو أمِّيٌّ لا يخط ولا يقرأ، وهي
موافقة، لما في الكتب السابقة، وما كان لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم
يمكرون.




ومنها: أنه ينبغي البعد عن أسباب الشر، وكتمان ما تخشى مضرته، لقول يعقوب
ليوسف { يا بني لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى
إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا
} ومنها: أنه يجوز ذكر
الإنسان بما يكره على وجه النصيحة لغيره لقوله: {
فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا
}




ومنها: أن نعمة الله على العبد، نعمة على من يتعلق به من أهل بيته
وأقاربه وأصحابه، وأنه ربما شملتهم، وحصل لهم ما حصل له بسببه، كما قال
يعقوب في تفسيره لرؤيا يوسف { وَكَذَلِكَ
يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ
وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ
} ولما تمت
النعمة على يوسف، حصل لآل يعقوب من العز والتمكين في الأرض والسرور
والغبطة ما حصل بسبب يوسف.




ومنها: أن العدل مطلوب في كل الأمور، لا في معاملة السلطان رعيته ولا
فيما دونه، حتى في معاملة الوالد لأولاده، في المحبة والإيثار وغيره، وأن
في الإخلال بذلك يختل عليه الأمر، وتفسد الأحوال، ولهذا، لما قدم يعقوب
يوسف في المحبة وآثره على إخوته، جرى منهم ما جرى على أنفسهم، وعلى أبيهم
وأخيهم.




ومنها: الحذر من شؤم الذنوب، وأن الذنب الواحد يستتبع ذنوبا متعددة، ولا
يتم لفاعله إلا بعدة جرائم، فإخوة يوسف لما أرادوا التفريق بينه وبين
أبيه، احتالوا لذلك بأنواع من الحيل، وكذبوا عدة مرات، وزوروا على أبيهم
في القميص والدم الذي فيه، وفي إتيانهم عشاء يبكون، ولا تستبعد أنه قد
كثر البحث فيها في تلك المدة، بل لعل ذلك اتصل إلى أن اجتمعوا بيوسف،
وكلما صار البحث، حصل من الإخبار بالكذب، والافتراء، ما حصل، وهذا شؤم
الذنب، وآثاره التابعة والسابقة واللاحقة.




ومنها: أن العبرة في حال العبد بكمال النهاية، لا بنقص البداية، فإن
أولاد يعقوب عليه السلام جرى منهم ما جرى في أول الأمر، مما هو أكبر
أسباب النقص واللوم، ثم انتهى أمرهم إلى التوبة النصوح، والسماح التام من
يوسف ومن أبيهم، والدعاء لهم بالمغفرة والرحمة، وإذا سمح العبد عن حقه،
فالله خير الراحمين.




ولهذا - في أصح الأقوال - أنهم كانوا أنبياء لقوله تعالى: {
وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ
وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ
} وهم أولاد يعقوب الاثنا عشر
وذريتهم، ومما يدل على ذلك أن في رؤيا يوسف، أنه رآهم كواكب نيرة،
والكواكب فيها النور والهداية الذي من صفات الأنبياء، فإن لم يكونوا
أنبياء فإنهم علماء هداة.




ومنها: ما منَّ الله به على يوسف عليه الصلاة والسلام من العلم والحلم،
ومكارم الأخلاق، والدعوة إلى الله وإلى دينه، وعفوه عن إخوته الخاطئين
عفوا بادرهم به، وتمم ذلك بأن لا يثرب عليهم ولا يعيرهم به.




ثم برُّه العظيم بأبويه، وإحسانه لإخوته، بل لعموم الخلق.




ومنها: أن بعض الشر أهون من بعض، وارتكاب أخف الضررين أولى من ارتكاب
أعظمهما، فإن إخوة يوسف، لما اتفقوا على قتل يوسف أو إلقائه أرضا، وقال
قائل منهم: { لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ
وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ
} كان قوله أحسن منهم وأخف،
وبسببه خف عن إخوته الإثم الكبير.




ومنها: أن الشيء إذا تداولته الأيدي وصار من جملة الأموال، ولم يعلم أنه
كان على غير وجه الشرع، أنه لا إثم على من باشره ببيع أو شراء، أو خدمة
أو انتفاع، أو استعمال، فإن يوسف عليه السلام باعه إخوته بيعا حراما لا
يجوز، ثم ذهبت به السيارة إلى مصر فباعوه بها، وبقي عند سيده غلاما
رقيقا، وسماه الله شراء ، وكان عندهم بمنزلة الغلام الرقيق المكرم.




ومنها: الحذر من الخلوة بالنساء التي يخشى منهن الفتنة، والحذر أيضا من
المحبة التي يخشى ضررها، فإن امرأة العزيز جرى منها ما جرى، بسبب توحّدها
بيوسف، وحبها الشديد له، الذي ما تركها حتى راودته تلك المراودة، ثم كذبت
عليه، فسجن بسببها مدة طويلة.




ومنها: أن الهمَّ الذي همَّ به يوسف بالمرأة ثم تركه لله، مما يقربه إلى
الله زلفى، لأن الهمّ داع من دواعي النفس الأمارة بالسوء، وهو طبيعة
لأغلب الخلق، فلما قابل بينه وبين محبة الله وخشيته، غلبت محبة الله
وخشيته داعي النفس والهوى. فكان ممن { خاف مقام
ربه ونهى النفس عن الهوى
} ومن السبعة الذين يظلهم الله في ظل
عرشه يوم لا ظل إلا ظله، أحدهم: "رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال:
إني أخاف الله" وإنما الهم الذي يلام عليه العبد، الهم الذي يساكنه،
ويصير عزما، ربما اقترن به الفعل.




ومنها: أن من دخل الإيمان قلبه، وكان مخلصا لله في جميع أموره فإن الله
يدفع عنه ببرهان إيمانه، وصدق إخلاصه من أنواع السوء والفحشاء وأسباب
المعاصي ما هو جزاء لإيمانه وإخلاصه لقوله. {
وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ
عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ
} على قراءة من قرأها بكسر اللام، ومن قرأها بالفتح، فإنه من
إخلاص الله إياه، وهو متضمن لإخلاصه هو بنفسه، فلما أخلص عمله لله أخلصه
الله، وخلصه من السوء والفحشاء.




ومنها: أنه ينبغي للعبد إذا رأى محلا فيه فتنة وأسباب معصية، أن يفر منه
ويهرب غاية ما يمكنه، ليتمكن من التخلص من المعصية، لأن يوسف عليه السلام
-لما راودته التي هو في بيتها- فر هاربا، يطلب الباب ليتخلص من شرها،
ومنها: أن القرائن يعمل بها عند الاشتباه، فلو تخاصم رجل وامرأته في شيء
من أواني الدار، فما يصلح للرجل فإنه للرجل، وما يصلح للمرأة فهو لها،
إذا لم يكن بينة، وكذا لو تنازع نجار وحداد في آلة حرفتهما من غير بينة،
والعمل بالقافة في الأشباه والأثر، من هذا الباب، فإن شاهد يوسف شهد
بالقرينة، وحكم بها في قد القميص، واستدل بقدِّه من دبره على صدق يوسف
وكذبها.




ومما يدل على هذه القاعدة، أنه استدل بوجود الصُّواع في رحل أخيه على
الحكم عليه بالسرقة، من غير بينة شهادة ولا إقرار، فعلى هذا إذا وجد
المسروق في يد السارق، خصوصا إذا كان معروفا بالسرقة، فإنه يحكم عليه
بالسرقة، وهذا أبلغ من الشهادة، وكذلك وجود الرجل يتقيأ الخمر، أو وجود
المرأة التي لا زوج لها ولا سيد، حاملا فإنه يقام بذلك الحد، ما لم يقم
مانع منه، ولهذا سمى الله هذا الحاكم شاهدا فقال: {
وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا
}




ومنها: ما عليه يوسف من الجمال الظاهر والباطن،.فإن جماله الظاهر، أوجب
للمرأة التي هو في بيتها ما أوجب، وللنساء اللاتي جمعتهن حين لمنها على
ذلك أن قطعن أيديهن وقلن { مَا هَذَا بَشَرًا
إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ
} وأما جماله الباطن، فهو العفة
العظيمة عن المعصية، مع وجود الدواعي الكثيرة لوقوعها، وشهادة امرأة
العزيز والنسوة بعد ذلك ببراءته، ولهذا قالت امرأة العزيز: {
وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ
} وقالت بعد
ذلك: { الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا
رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ
}
وقالت النسوة: { حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا
عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ
}




ومنها: أن يوسف ع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://mnwaat.roo7.biz
 
تفسير سورة يوسف ( آية 80-111 )
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  تفسير سورة يوسف ( آية 1-29 )
»  تفسير سورة يوسف ( آية 58-79 )
» تفسير سورة هود ( آية 1-49 )

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منوعات دوت كومmnwaat.com  :: اسلاميات :: تفسير القران كامل-
انتقل الى: